من أكثر ما يقلق المرأة أثناء الحمل تناول الأدوية، ومايتضمنه ذلك من مخاطر لاتقتصر على المرأة، بل تتعداه إلى الجنين. ويشاركها القلق الطبيب الذي يجد نفسه أمام حامل استخدمت- جهلاً منها- أدوية بدون استشارة طبية. وكم احتار الطبيب من أجل صرف أدوية لحالات مرضية لاغنى للحامل عنها، قد تسبب آثاراً ضارة على الأم وجنينها. ومما يزيد من هذه المشكلة العدد الكبير من المستحضرات الدوائية المتوفرة في الصيدليات، حيث يدخل في السوق حوالي 500 مركب دوائي جديد ويتم كتابة أكثر من 2.1 بليون وصفة كل سنة. هذا العدد الهائل من الأدوية يقف العلم عاجزاً عن إعطاء أجوبة قطعية حول سلامة معظمها للمرأة الحامل، وذلك لأن الأبحاث الدوائية تجرى غالباً على حيوانات التجارب التي لايمكن استقراء النتائج منها وتطبيقها كاملة على الإنسان. كما أن بعض الآثار الجانبية للأدوية قد لاتظهر مباشرة بعد الاستخدام، وهذا ماحدث مثلاً مع عقار ثاليدومايد Thalidomide، حيث أظهرت النتائج سلامة هذا الدواء على أجنة حيوانات التجارب وتم استخدامه للحوامل، ولم تظهر الآثار الخطيرة للدواء إلا بعد مدة طويلة من تداوله. ولأهمية المشكلة التي أحدثها هذا الدواء وأثره على الأبحاث الدوائية المتعلقة بسلامة الأدوية للمرأة الحامل، سوف نعرض على القارئ قصة هذا العقار:
كثير من الأطباء في الوقت الحاضر يعانون من أزمة قلة الثقة بالأدوية بعد كارثة عقار ثاليدومايد Thalidomide التي أدت إلى تشوهات آلاف الأطفال، فما هي قصة هذا العقار؟
حتى منتصف هذا القرن والأطباء والعلماء يعتقدون أن المشيمة تشكل حاجزاً منيعاً من الأذى القادم من البيئة الخارجية، ويرون أن أي دواء أو مادة كيميائية تتعاطاها الحامل لاتؤثر على الأجنة. استمر هذا الاعتقاد سائداً حتى عام 1940 عندما لاحظ أحد الأطباء وجود تشوهات في أجنة كثير من الأمهات اللائي تعرضن للحصبة الألمانية في الثلث الأول من الحمل. هذا الاكتشاف أثبت بما لايدع مجالاً للشك أن البيئة الخارجية يمكن أن تؤثر تأثيراً بالغاً على الجنين. إلا أن الدراسات البحثية عن تأثير تعاطي الأدوية على المرأة الحامل لم يلق الاهتمام المطلوب حتى ظهرت مأساة إنسانية أثارت قلق كثير من الأوساط الطبية في ألمانيا وبعض الدول الأوربية وأدت إلى التنديد بالعقاقير، وهي كارثة عقار الثاليدوميد. ظهر هذا العقار في الأسواق الأوروبية عام 1951م كمنوم ومضاد للقيء وخاصة للحوامل، مع أن هذا الدواء لم يقر من قبل إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA). وفي عام 1961م بدأت تظهر آثار جانبية خطيرة لهذا الدواء بسبب تعاطي كثير من النساء له خلال الثلاثة شهور الأولى من الحمل، ووجدوا أن هذا الدواء أدى إلى ولادة عدد هائل من الأطفال المشوهين بغياب بعض أطرافهم، حيث قدر عددهم بأكثر من عشرة آلاف طفل مشوه في أنحاء العالم، وهو مايمثل حوالي ثلث النساء الحوامل اللاتي استعملنه، وقد أطلق على هذا النوع من التشوه بأطراف سبع البحر أو فوكوميليا Phocomelia.. وبسب هذه الكارثة تم سحب هذا الدواء من الأسواق وتغريم الشركة المنتجة لصالح النساء اللاتي أصابهن الضرر من جراء استخدام هذا الدواء.
وقد أثارت فاجعة الأطفال المشوهين بسبب تعاطي الأمهات لعقار عقار الثاليدوميد اهتمام الأطباء والصيادلة والعاملين في الصناعات الدوائية، وكانت بمثابة صفارة إنذار نبهت إلى خطر الأدوية والمركبات الكيميائية على الجنين. وأظهرت أهمية إجراء الأبحاث والتجارب على الأدوية للتأكد من خلوها من الآثار الضارة على الجنين.
كيف يؤثر الدواء على جنين الحامل
من المعلوم أن الوسيلة الوحيدة لمد الجنين بالغذاء والطاقة هو تيار الدم الذي يصله عن طريق الحبل السري، وهذا التيار لايحمل الغذاء والأكسجين فقط بل يأخذ كل ماتتعاطاه الحامل، ومن ذلك الأدوية. وقد كان الاعتقاد السائد في السابق أن المشيمة تمثل حاجزاً تمنع الأدوية والمواد الكيميائية السامة من المرور إلى الجنين. ولكن ثبت حديثاً أن معظم المواد التي تأخذها الحامل تمر عبر المشيمة إلى الجنين بنسب مختلفة. بعض المواد التي تصل إلى الجنين تمثل خطراً على حياته، وذلك لأن أجهزة جسمه لم تتطور بعد بشكل كامل لذا لايستطيع أن يتمثل الدواء كما هو الحال في أجهزة الأم الحامل، ولذلك فإن وصول الدواء إلى جسم الجنين يؤثر على النمو الطبيعي له وربما أدى إلى أمراض وتشوهات.
وهناك عدة عوامل تؤثر على درجة مرور الدواء عبر المشيمة، منها مايلي:
1- الوزن الجزيئي للدواء، فالمواد التي يقل وزنها الجزيئي عن 600 (معظم الأدوية أقل من 600) تعبر المشيمة بسهولة، بينما الأدوية التي يزيد وزنها الجزيئي عن 1000 (مثل الهيبارين) تمر بصعوبة عبر المشيمة وأحياناً لاتمر مطلقاً.
2- درجة تأين الدواء، فالأدوية ذات التأين العالي تمر ببطء، بينما الأدوية غير المتأينة في الوسط الحيوي تمر بسهولة.
3- ذائبية الدواء في الدهن فالمواد التي تذوب في الدهن تمر أسهل من المواد التي لاتذوب في الدهن.
4- مدى ارتباط الدواء بالبروتين، فالأدوية التي ترتبط مع البروتين ارتباطاً قوياً غالباً لاتصل إلى الجنين، بينما الأدوية الحرة غير المرتبطة بالبروتين تمر عبر المشيمة.
5- جريان الدم الرحمي، وهذا العامل يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر على مرور الدواء إلى الجنين، ويزداد هذا الجريان مع تقدم الحمل، وهناك عدة عوامل تؤثر على جريان الدم كبعض الأمراض التي تصيب الحامل مثل ارتفاع ضغط الدم وتعاطي أنواع معينة من الأدوية.
6- تأثير الأمراض، بعض أنواع الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة السكر في الدم قد تؤدي إلى تغيير في نفاذية المشيمة مما يؤثر على مرور الأدوية إلى الجنين.
7- ومن العوامل المهمة في أثر تعاطي الدواء على المرأة الحامل اختلاف مرحلة الحمل، ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى ثلاثة أقسام، تختلف فيها درجة تأثير الدواء على الجنين اختلافاً بيّناً:
أ- المرحلة الأولى: وهي الشهور الثلاثة الأولى من فترة الحمل، وتعتبر من أكثر المراحل تعرضاً لحدوث تشوهات للجنين بسبب الأدوية أو المواد الكيميائية، حيث يتم في هذه المرحلة تكوّن أعضاء جسم الجنين المختلفة ونموها بشكل سريع حتى اكتمالها في نهاية هذه الفترة. لذا على الحامل الامتناع عن أخذ أي دواء في هذه المرحلة إلا عند الضرورة القصوى وبعد استشارة الأخصائي.
ب- المرحلة الثانية من الشهر الرابع إلى السادس والمرحلة الثالثة من الشهر السابع إلى التاسع. وفي هاتين المرحلتين يتم نمو الجنين وتكوين أعضائه التناسلية والجهاز العصبي المركزي. ويقل احتمال حدوث تشوهات في هاتين المرحلتين سيما في المرحلة الثالثة إذا تعرض الجنين للأدوية وذلك لأن أعضاءه قد اكتملت في المرحلة السابقة وأصبحت أقل تأثراً بالمواد السامة. ولكن مرور الأدوية وغيرها من المواد إلى الجنين يصبح أسهل مع تقدم الحمل، وذلك لأن مساحة سطح المشيمة يزداد وسمكها يقل، مما يسهل انتقال الأدوية عبر المشيمة إلى الجنين. وقد يتعرض الجنين لنوع آخر من الضرر في هذه المرحلة مثل التخلف العقلي أو إصابة الأعصاب وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من الأدوية مايمثل خطورة على الجنين إذا استعملت خلال الشهور الثلاثة الأولى، وتشمل مجموعة كبيرة من الأدوية، وهناك أدوية تسبب أضراراً للجنين إذا استعملت ابتداء من الشهر الرابع وحتى الشهر الأخير، وتشمل بعض المضادات الحيوية والأسبرين، وأدوية أخرى قد تضر بالجنين إذا استعملت في أي شهر من أشهر الحمل مثل هرمونات الأنوثة وهرمونات الذكورة. وهناك أدوية يمكن استخدامها خلال الحمل وهي غير ضارة على الجنين مثل حبوب الحديد وحمض الفوليك والبنسلين ومشتقاته وبعض الفيتامينات، ولكن لاتستعمل إلا بعد استشارة الطبيب.
مجموعــات الأدويـــة والحمـــل
قامت منظمة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) بتصنيف الأدوية إلى خمس مجموعات (A,B,C,D and X) حسب درجة خطورة الدواء المحتملة على جنين الأم، وذلك لمساعدة المتخصص في مجال الطب والدواء، سواء أكان طبيباً أم صيدلياً وكذلك الشخص العادي، على تصنيف الدواء بسرعة عند استخدامه أثناء الحمل. أحياناً تحدد شركات الأدوية درجة خطورة الدواء على الحامل، فإذا توافق تصنيفه مع تصنيف المنظمة أضيف الحرف M على علبة الدواء (وهو مأخوذ من Manufacturer) إلى أسفل الحرف الذي يشير إلى تصنيف الدواء. وقد صدر حديثاً كتاب باللغة العربية «المرجع الشامل في استخدام الأدوية أثناء الحمل والإرضاع» ترجمة وإعداد : د. فهد نتوف وآخرون» يعتبر مرجعاً شاملاً لاستخدام الأدوية أثناء الحمل معتمداً على عامل الخطورة للأدوية بناء على تصنيف منظمة الدواء والغذاء الأمريكية. وفيما يلي تعريف بالمجموعات الخمس.
المجموعة الأولى (A)
تضم الأدوية التي جربت على حيوانات التجارب وعلى أمهات حوامل ولم تظهر أي خطورة على الأم ولا على الجنين في الثلث الأول من الحمل، وكذلك لايوجد دليل على ضرره في أشهر الحمل الأخرى. وتعتبر هذه الأدوية آمنة عند استخدامها أثناء الحمل ولاتؤثر على الجنين. ويمكن أن تعطى للأم الحامل.
المجموعة الثانية (B):
تشمل هذه الفئة مجموعة من الأدوية تم عمل دراسة حولها في حيوانات التجارب ولم تظهر أي خطورة على الجنين، ولكن لاتوجد دراسة مؤكدة على أمهات حوامل من الإنسان. أو أن الدراسة على الحيوان أبدت وجود بعض التأثيرات السيئة الخفيفة، ولم يتم إثبات ذلك في الدراسات التي أجريت على النساء الحوامل في الشهور الأولى أو في الشهور الأخيرة من الحمل.
المجموعة الثالثة (C)
تشمل هذه الفئة مجموعة من الأدوية تم عمل دراسة حول تأثيرها على الحيوانات وأثبتت حدوث تشوه أو أضرار أخرى للأجنة، ولكن ليست هناك دراسة مؤكدة على الأمهات الحوامل من النساء. أو أن الدراسات على الدواء غير متوفرة، لذا لاتعطى هذه الأدوية للمرأة الحامل إلا بعد موازنة مدروسة مابين الخطورة المحتمل والفائدة المرجوة.
المجموعة الرابعة (D)
تشمل هذه المجموعة تلك الأدوية التي أثبتت الدراسات وجود خطورة على أجنة الإنسان والحيوان، ولاتستخدم هذه الأدوية للمرأة الحامل إلا في الحالات القصوى، كأن يكون الدواء منقذاً لحياة الأم أو في حالة الأمراض الخطيرة التي لايوجد لها بدائل من الأدوية الآمنة.
المجموعة الخامسة (X):
تمثل هذه الفئة مجموعة من الأدوية التي أثبتت الدراسات على الإنسان والحيوان قدرتها على إحداث أضرار خطيرة على الأجنة، واستعمال هذه الأدوية أثناء الحمل يسبب أخطاراً أكبر من أي فائدة مرجوة منه، وهذه الأدوية يجب ألا تعطى للحامل بتاتاً أو التي ستحمل قريباً.
يجب التنبيه على أن هذه التقسيمات للأدوية قد لاتكون دقيقة بشكل كاف وقد تتغير بعض المعلومات بناء على أبحاث جديدة أجريت على بعض الأدوية. وتعتمد خطورة الدواء على أمور كثيرة منها حالة المرأة الحامل، لذا على الحامل ألا تأخذ أي دواء إلا بعد استشارة الطبيب المختص.
الـــــدواء
بوتاسيوم كلورايد Potassium chloride
الفيتامينات (A,B12, C, D, and E)
حمض الفوليك Folic acid
ليوثيرونين Liothyronine
باراسيتامول (بانادول) Paracetamol
أموكسيسسللين Amoxicilline
أمبيسسللين Ampicilline
رانيتيدين Ranitidine
ايبوبروفين Ibuprofen
أنسولين Insulin
ديجوكسين Digoxin
ديفنهيدرامين Diphebhydramine
جنتامايسين Gentamicin
هيبارين Heparin
كاؤولين بكتين Kaolin/Pectin
اللقاحات Vaccines التالية: الكوليرا، التهاب الكبد الوبائي،
لقاح BCG، الأنفلونزا، شلل الأطفال، التيفوئيد.
كابتوبرل Captopril
وارفارين Warfarin
إيميبرامين Imipramine
كانامايسين Kanamycin
ستربتومايسين Streptomycin
كلوميفين Clomiphene
دانازول Danazol