التي تركتني أعدو (قصة × صفحة)
خطوات تنبعث كإيقاع مع ريح هوجاء كللت سكون المكان بالأرق, أسير, أنظرأمامي والبيت يقبع كشبح هارب, يلاحقني, يصفع الهواء, قدماي تقودانني إلى حيث الصورةوالريح تعزف خوفاً جبلياً لمطاريد الظلام, ارتجافات تهزني, وجسدي يتشبث بترانيمتنبعث من فمي, لكن أسناني تصطك, فلا أستطيع أن أتم الكلام. تبدو الغرف من بعيدمطفأة والشارع مهجوراً تعوي فيه الريح, أتقدم, أقترب, غيوم تلتحم بأخرى على غرة مننسياني, أحدق بالأرض دون أن أرفع رأسي, فقط حين تصبح الخطوات عشراً لتتضح الصورةأكثر, والضباب يتجمع عند باب بيتهم, أتأمل الشارع, سكون أثير إلا من عواصف تنوءبحملها, أتدثر حزني, أتقدم والخطوة الأولى تذكرني بكل الخطوات الأُولى معها, حينجئنا وضحكنا. يومها لم نشبع من وجبات الحب, كان الجوع والظمأ يملآن جسدينا بتلكالنشوة الغريبة, ضحكتُ حتى ضحكت, واستمر الوله يحفنا. الخطوة الثانية ومخيلتي تضجبضحكتها حين قبلتها للمرة الأولى ولم تكن قبلة واحدة فقط, الثالثة ورسائلي الباهتةتمتد لتصل إلى كفيها, أوراق تنبت من مآقي العين حين يغرسها القلب, أكتب كل مايراودني, يجول بخاطري فلا تسعه كل كلمات الكون واستمر, أواصل دربي في ظلام بات معيكظلي, تخطو القدم اليسرى ويداها تتوسدانني, تمزقانني تخترق كل عتبات الحب, وتدلفإلى قلبي, خطوة خامسة والماء ينساب رقراقاً من صنبور العين التي لم ترها منذ شهور, يبدأ المطر بالسقوط, وقذيفة تلو أخرى تبللني, تدك ملابسي حتى أغرق قبل أن أصل إلىالخطوة السادسة, أتسمر في مكاني, أجرى كالأبله, لا أدري كيف أفعل, أنزوي في ركن منسيول المطر التي حملت معها شريطاً جديداً من ذكريات بعيدة, يوم أتيت أحملها معي إلىمنزلنا وهناك, صعدنا على السطح, وظل المطر يتساقط, يغرقنا في حب لاهب, أذكرها تقول (أحب المطر كحبك) وأنا أكرهه كما أكرهها الآن.. لست أعلم هل حقيقة أكرهها? يقشعربدني وأسناني تصطك من جديد, أحبها حتى أشعر بالدفء, أتقدم, ألهث, وخطوة سابعةتحملني كطيف أرفع به خطبة وإسورة من ذهب, ثامنة ووساوس تقتحم حياتنا, جحيم ينتظرنا, كلمات وهمهمات, كره وحقد, أتروى, أذكر ملامح الذكريات, خطوة تاسعة والوجوه تتغير, الملامح, تضاريس الحب, أساليب جديدة في تعامل آخر, أناس يغيرون في عيونها, شرريتطاير منهما, والأذن تطن, تضج بألم, تصرخ كفى, والوساوس لا ترحمها, أصل إلى نقطةالنهاية, قلبي يضرب, يدفعني إلى اللهاث, يضرب بعنف, الخطوة العاشرة تؤلمني, ترهبني, كم هي مريعة في نفسي, أرتعش, والمطر يبللني, النعاس يدب في أوصالي, اليقظة تحطمني, أتصارع في داخلي, أصل إلى الباب, لونه تغير كما الوجوه, ترتفع يدي لتصل جرس منزلهم, أرفعها بخفة والقلب يرتعش, أسقطها, ارفعها, أسقطها, أشعر أنني لن أستطيع النظر فيوجهها مرة أخرى, (إنني لا أحبك) والكلمة تطن في أذني, (ماذا فعلت كي تكرهيني?) أغمضعينيّ, (لا أدري, ما أريده فقط أن تتركني) أشدّد على قبضتي, (أنا أكرهك, أكرهك,..) أحاول أن أنسى, آه, أريد أن أنسى, أتمتم بأدعية وتمائم حتى أنجو من خوفي, أضربالجرس فيأتيني الجواب من أعلى متأففاً:
- من بالباب.
- أنا...
لغط عنيف ينفجر في وجهي كالغبار, أحذية وأكوام من القمامة تتساقط علىرأسي كالمطر.
- حيوان, انصرف, لا أريدك.
وأنصرف مدركاً أنها النهاية.
يسري الغول
منقولة عن مجلة العربي العدد نوفمبر 2005