السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
حجة وداع الحكم الجبري !
لا يختلف إثنان في أن الإسلام عقيدة و نظام ومنهج حياة كامل متكامل , به تُحل جميع المشاكل في كل مناحي الحياة , و به يعُم كل الخير على الناس . لكن .. هل فعلا يعي المسلم حقيقة هذه الجملة الفريدة و أبعادها ؟ هل يفهمها المسلم فهما صحيحا بمعناها و دلالتها و النتائج المرتبطة بتطبيق هذا النظام الرباني العظيم كمنهج حياة ؟ فما هي الحياة الإسلامية ؟ أو نطرح السؤال بشكل آخر : كيف يُطبق الإسلام و كيف نحيا به ؟ . لما كان الإنسان يعيش في المجتمع و لديه معاملات و علاقات واسعة مع الناس ، و تُطبِّق عليه الدولة قوانين تؤثر في سير حياته كان لا بد أن نسأل هذا السؤال من ناحية أخرى فيصبح : كيف تكون عقيدتنا الإسلامية مرتبطة مع أنظمة المجتمع , من نظام إقتصادي و إجتماعي و نظام حكم و تعليم و الدولة و الدستور و القوانين ؟
و الإجابة تكمن في أن الإسلام ليس دين كهنوتي .. أي أن الأحكام الشرعية التي أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم و في السنة النبوية الشريفة هي أحكام متحركة و حيوية في حياة الناس وهذا لا يعني التغيّر .. فالإسلام كما هو في الصلاة و الصيام هو أيضا في عقود التجارة و البيع و الشركات و هو ينظم علاقة الرجل و المرأة و هو يقود البشرية و يحكمها و يمشي بين الناس يرعى شؤونهم بما يرضي الله تعالى و يفشي العدل و ينصر المظلوم . فهو ليس مجرد عبادات فمن صلى و صام و لم يرجع إلى الشرع في كل أعماله فلا يكون طبق الإسلام تطبيق صحيح ولا يكون قد أسلم " كل أمره لله" . بل الإلتزام بالأحكام الشرعية هو ما يجعل للناس حياة . حياة إسلامية الشكل و المضمون , و لا تبقى أفكار و مفاهيم الإسلام أبدا حبيسة بيت واحد أو بلد واحد فقد أراد الله تعالى لها أن تنتشر في العالم والواجب في ذلك على الدولة الإسلامية التي تنشر العقيدة الإسلامية عن طريق كسر الحواجز المادية بالجهاد, فكانت هذه سياسة الدولة الخارجية ..
فعقيدة الإسلام إذن عقيدة عالمية , وهكذا أراد الله لها أن تكون , فالإيمان بالله عز و جل لا يرتبط بلون أو جنس أو غنى أو فقر بل هي عقيدة عالمية لا حدود و لا حواجز بين العبد و الخالق ، بل هي أكثر من ذلك ، فهي عقيدة سياسية تميزت عن غيرها من الأفكار و إرتقت عاليا بالإنسان و قادت العالم لتخرجه من الظلمات إلى النور .. هذه المعاني العظيمة عندما نفكر فيها ندرك قوة المبدأ الإسلامي و حتمية نجاحه في رعاية شؤون البشر على أساس إنسانيتهم فلن تجد أفضل من خالق العباد لرعاية شؤون العباد .ولا يتأتى أن يضع أحد نظام يصلح لجميع البشر غير خالق البشر .
أما هذه القوة و هذه الشمولية هي ما يجب أن ندركه عندما نفكر في العيش تحت ظل الإسلام .. لا أن نقزم الإسلام ليصبح جامدا وينعزل عن حياة الناس ،، كما هو الحال اليوم .. فالواقع مغاير تماما لما يجب أن يكون عليه هذا الدين العظيم ، و الواقع ايضا مغاير تماما لما يجب أن تكون عليه الأمة الإسلامية ، الأمة الواحدة ، التي لطالما تألقت و تميزت بعقيدتها و بوحدتها عن الأمم الأخرى فكانت دائما في موقع الريادة بين الامم و حُكِمَ الناس بأحكام الله تعالى الشرعية أي النظام الرباني في دولة إسلامية واحدة . و ليس هناك أكثر من فريضة الحج إلى بيت الله الحرام لتجسيد هذه المعاني و هذه الحقائق. ففريضة الحج كلها رسائل إعلامية قوية و متعددة يفهمها مَن لا يأخذ وسائل الإعلام مصدرا لمعلوماته عن موسم الحج ! وهي ليست مجرد عبادة روحانية , لكن الإعلام يبرز الحج كالفريضة المقدسة الباهظة الثمن و إنه تابع لوزراة السياحة الدينية و يدرب فيه مؤذن الحرم المكي الشباب على فن الآذان ..... و أن المظاهرات فيه حرام حتى يرسخ عند الرأي العام إن التعبير عن مطالب الأمة الإسلامية حرام في الحج !!!
- و نذكر بعض هذه الرسائل الإعلامية التي لها أصداء عجيبة و التي كانت لتؤثر في الرأي العام تأثيرا بليغا لنهضة الأمة ، هذا في حال نقلها الإعلام كما يجب أن تكون ، و لكنه تغاضى عنها و تجاهلها تماما في نقله لمناسك الحج و مقابلاته العديدة مع الحجاج :
* إن للحج في الشرع أميرا يرعى شؤون الحجاج على أساس الإسلام لكن بدلته وسائل الإعلام بآل سعود !! فمدح الحكومة السعودية و تجاهل غياب الخليفة إمام المسلمين و أمير الحج كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم مع الحجاج في حجة الوداع هو أكبر تضليل لأمة الإسلام !
* و الحج المبارك ليس فقط فرصة للحجاج للتوبة و لتجسيد مفاهيم الإسلام العظيم في شموليتها و عالميتها ، بل هو أيام مباركة تحتفل فيها الأمة بعيد الأضحى المبارك ، و تتذكر قصة سيدنا إبراهيم و إبنه إسماعيل عليهما السلام .. و بهذه المناسك و هذه المشاعر الراقية التي تنبض بها قلوب المسلمين في هذه الأيام المباركة ندرك أن الحج هام لمقابلة المسلمين بعضهم البعض من مناطق مختلفة و يناقشون قضاياهم المصيرية و مشاكلهم الحياتية لا يربطهم رابط غير العقيدة الإسلامية ، وفي إجتماع الحجاج بالملايين كل عام في مكة رسالة مرعبة للكفار بأن الإسلام هو الدين الأول في العالم و يذكرهم الحج بتاريخ المسلمين الذين سادوا العالم عندما حكموه بالإسلام مطبقا في دولة تحكم بما أنزل الله تعالى ..
* و لقد تجاهلت وسائل الإعلام في تقاريرها عن الحج هذا العام إنه حج مختلف عن الأعوام الماضية لأنه حج على ضوء أحداث حققت بداية إنتصارات في بلاد المسلمين حيث يقتلع المسلمين الرويبضة الجاثمين على صدورهم واحدا تلو الآخر ، فالأمة في طريقها لإستعادة سلطانها المغتصب و هذا الحج فرصة كبيرة ليتناقش المسلمين هناك في قضايا أمتهم و للتخطيط لإستعادة مكانة المسلمين بين الأمم و الطريق الشرعية المؤدية إلى ذلك و تحقيق إنتصارا عظيما بإقامة دولتهم دولة الخلافة الراشدة .
* الحج هو ترسيخ لوحدة الأمة الإسلامية العظيمة و هو مربوط بتوبة العبد توبة نصوح و الرجوع إلى الله سبحانه و تعالى ، و في ذلك فرصة متجددة للعبد ليصحو من غفلته . بل هي تذكرة للأمة الإسلامية جميعا بالرجوع إلى الله تعالى ، و ما الحج هذا العام إلا ترسيخ لما جاءت به الثورات المباركة في بلاد المسلمين .. فالصحوة الإسلامية بدأت و مستمرة إلى أن ينهار الحكم الجبري إنهيار كامل .
* كان يجب على وسائل الإعلام تذكير المسلمين و تحضيرهم مسبقا على مدى الأشهر التي سبقت الحج بوصايا رسول الله صلى الله عليه و سلم في خطبة في حجة الوداع و التي كانت بياناً سياسياً شاملاً لكافة القضاية المهمة ، مما يدل على أن خطبة عرفة ينبغي أن تتناول أهم القضايا التي تواجه المسلمين في كل عام . فيجب أن تحضر وسائل الإعلام الناس لمثل هذا ،، لكن هذا لم يحدث من جانبهم ! بل ستكون الخطبة ككل عام خطبة لا تتناول قضايا المسلمين و ستنقلها وسائل الإعلام كما هي و بدون تعليق لإحباط الأمة بكلمات مملة مكررة لا تمس قضاياهم المهمة !
و في النهاية كل هذه المؤشرات تدل على أن هذه الحجة حجة وداع الحكم الجبري بإذن الله تعالى و نسأل الله تعالى أن تكون حجة العام القادم في ظل الخلافة الراشدة .