بعد يومين من زيارتي السابقة مررت ببيت ابنتي وأنا عائد من صلاة الظهر بمسجدنا المجاور . فدرجت إليها وطرقت بابها ، فاستقبلتني بترحاب وقالت : تفضل يا أبي اقعد واسترح حتى أجلب لك كوبا من العصير . فقاطعتها قائلا: لا أريد عصيرا ولا غيره فأنا صائم ، جئت لأطمئن عليك وأرى نتيجة حديثي معك قبل يومين .



ـــ قالت : أحسنت وأجملت يا أبي فيما قلته لي ، ولكنني لا أخفيك سرا ، لقد تشاجرنا بالأمس ، وكدت أجن من فعل زوجي ، حتى صرخـْـتُ في وجهه وعلا صوتي عليه .

= ثقي يا بنيتي ، أن علو الصوت هي نبرة الضعيف الذي لا حجة عنده ولا حق معه ، ولكن الواثق الرزين هو الذي يملك الحق ولا يخشى ضياعه . ويكون مطمئنا من أن الحق هو الذي سيفرض نفسه: لا قوة العضلات .. ولا علو الصوت .. ولا التشنجات العصبية . فاحذري يا بنيتي أن ترفعي صوتك على زوجك عند خلافك معه مهما كان الأمر . لا أقول أخفضي صوتك معه ضعفا .. وذلا .. واستكانة .. وانكسارا .. وخوفا .. ورعبا ، كلا .. ولكنني أريده صوت الأنثى الرقيقة ،
صوت الحنان والرقة والعذوبة ،
صوت الرأفة والمودة والرحمة ،
الصوت الذي يبني ولا يهدم ،
ويجمع ولا يفرق ،
ويصلح ولا يفسد ،
الصوت الذي يلسع الضمير ولا يميت صاحبه ،
الصوت الذي يكون كلسعة عصير الليمونة على الجرح الذي يطهره ويكون سببا في شفائه ولا يزيده عَطَـَبَاً،
الصوت الذي يشبه قطعة الحرير المبللة بالفازلين عندما توضع على موضع الحرق من الجلد فتلطفه وترطبه وتطفيء نيران ألمه ، ولهيب حرقته.



أرقى أمنياتي
c